فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

ومعنى قوله: {والله يضعاف لمن يشاء} أنّ المضاعفة درجات كثيرة لا يعلمها إلاّ الله تعالى؛ لأنّها تترتّب على أحوال المتصدّق وأحوال المتصدّق عليه وأوقات ذلك وأماكنه.
وللإخلاص وقصد الامتثال ومحبة الخير للناس والإيثار على النفس وغير ذلك مما يحفّ بالصدقة والإنفاق، تأثير في تضعيف الأجر، والله واسع عليم. اهـ.

.قال الماوردي:

{وَاللهُ وَسِعٌ عَلِيمٌ} فيه قولان:
أحدهما: واسع لا يَضِيق عن الزيادة، عليم بمن يستحقها، قاله ابن زيد.
والثاني: واسع الرحمة لا يَضِيق عن المضاعفة، عليم بما كان من النفقة.
ويحتمل تأويلًا ثالثًا: واسع القدرة، عليم بالمصلحة. اهـ.

.قال السعدي:

هذا بيان للمضاعفة التي ذكرها الله في [ص 113] قوله: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} وهنا قال: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} أي: في طاعته ومرضاته، وأولاها إنفاقها في الجهاد في سبيله {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} وهذا إحضار لصورة المضاعفة بهذا المثل، الذي كان العبد يشاهده ببصره فيشاهد هذه المضاعفة ببصيرته، فيقوى شاهد الإيمان مع شاهد العيان، فتنقاد النفس مذعنة للإنفاق سامحة بها مؤملة لهذه المضاعفة الجزيلة والمنة الجليلة، {والله يضاعف} هذه المضاعفة {لمن يشاء} أي: بحسب حال المنفق وإخلاصه وصدقه وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها، ويحتمل أن يكون {والله يضاعف} أكثر من هذه المضاعفة {لمن يشاء} فيعطيهم أجرهم بغير حساب {والله واسع} الفضل، واسع العطاء، لا ينقصه نائل ولا يحفيه سائل، فلا يتوهم المنفق أن تلك المضاعفة فيها نوع مبالغة، لأن الله تعالى لا يتعاظمه شيء ولا ينقصه العطاء على كثرته، ومع هذا فهو {عليم} بمن يستحق هذه المضاعفة ومن لا يستحقها، فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه وحكمته. اهـ.

.سؤال: فإن قيل: فهل رأيت سنبلة فيها مائة حبة حتى يضرب المثل بها؟

قلنا: الجواب عنه من وجوه الأول: أن المقصود من الآية أنه لو علم إنسان يطلب الزيادة والربح أنه إذا بذر حبة واحدة أخرجت له سبعمائة حبة ما كان ينبغي له ترك ذلك ولا التقصير فيه فكذلك ينبغي لمن طلب الأجر في الآخرة عند الله أن لا يتركه إذا علم أنه يحصل له على الواحدة عشرة ومائة، وسبعمائة، وإذا كان هذا المعنى معقولًا سواء وجد في الدنيا سنبلة بهذه الصفة أو لم يوجد كان المعنى حاصلًا مستقيمًا، وهذا قول القَفّال رحمه الله وهو حسن جدًا.
والجواب الثاني: أنه شوهد ذلك في سنبلة الجاورس، وهذا الجواب في غاية الركاكة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.فوائد ونفائس لأبي حيان:

قال رحمه الله:
ونسب الإنبات إلى الحبة على سبيل المجاز، إذ كانت سببًا للإنبات، كما ينسب ذلك إلى الماء والأرض والمنبت هو الله، والمعنى: أن الحبة خرج منها ساق، تشعب منها سبع شعب، في كل شعبة سنبلة، في كل سنبلة مائة حبة، وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني الناظر، قالوا: والممثل به موجود، شوهد ذلك في سنبلة الجاورس.
وقال الزمخشري: هو موجود في الدخن والذرة وغيرهما، وربما فرخت ساق البرة في الأراضي القوية المغلة، فبلغ حبها هذا المبلغ، ولو لم يوجد لكان صححيحًا في سبيل الفرض والتقدير؛ انتهى كلامه.
وقال ابن عيسى: ذلك يتحقق في الدخن، على أن التمثيل يصح بما يتصور، وإن لم يعاين.
كما قال الشاعر:
فما تدوم على عهد تكون به ** كما تلوّن في أثوابها الغول

انتهى كلامه.
وكما قال امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وخص سبعًا من العدد لأنه كما ذكر، وأقصى ما تخرجه الحبة من الأسؤق.
وقال ابن عطية: قد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة، وأما في سائر الحبوب فأكثر، ولكن المثال وقع بمائة، وقد ورد القرآن بأن الحسنة في جميع أعمال البر بعشرة أمثالها، واقتضت هذه الآية أن نفقة الجهاد بسبعمائة ضعف، ومن ذلك الحديث الصحيح. انتهى ما ذكره.
وقيل: واختص هذا العدد لأن السبع أكثر أعداد العشرة، والسبعين أكثر أعداد المائة، وسبع المائة أكثر أعداد الألف، والعرب كثيرًا ما تراعي هذه الأعداد.
قال تعالى: {سبع سنابل} و{سبع ليال} و{سبع سنبلات} و{سبع بقرات} و{سبع سموات} و{سبع سنين} و{إن نستغفر لهم سبعين مرة} {ذرعها سبعون ذراعًا} وفي الحديث: «إلى سبعمائة ضعف» «إلى سبعة آلاف» «إلى ما لا يحصي عدده إلاَّ الله» وأتى التمييز هنا بالجمع الذي لا نظير له في الآحاد، وفي سورة يوسف بالجمع بالألف والتاء في قوله: {وسبع سنبلات خضر}.
قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل: {سبع سنبلات} على حقه من التمييز لجمع القلة، كما قال: {وسبع سنبلات خضر}.
قلت: هذا لما قدمت عند قوله: {ثلاثة قروء} من وقوع أمثلة الجمع متعاورة مواقعها. انتهى كلامه.
فجعل هذا من باب الاتساع، ووقوع أحد الجمعين موقع الآخر على سبيل المجاز، إذ كان حقه أن يميز بأقل الجمع، لأن السبع من أقل العدد، وهذا الذي قاله الزمخشري ليس على إطلاقه، فنقول: جمع السلامة بالواو والنون، أو بالألف والتاء، لا يميز به من ثلاثة إلى عشرة إلاَّ إذا لم يكن لذلك المفرد جمع غير هذا الجمع، أو جاور ما أهمل فيه هذا الجمع، وإن كان المجاور لم يهمل فيه هذا الجمع.
فمثال الأول: قوله تعالى: {سبع سموات} فلم يجمع سماء هذه المظلة سوى هذا الجمع، وأما قوله:
فوق سبع سمائيا

فنصوا على شذوذه، وقوله تعالى: {سبع بقرات} {وتسع آيات} وخمس صلوات لأن البقرة والآية والصلاة ليس لها سوى هذا الجمع، ولم يجمع على غيره.
ومثال الثاني: قوله تعالى: {وسبع سنبلات خضر} لما عطف على: {سبع بقرات} وجاوره حسن فيه جمعه بالألف والتاء، ولو كان لم يعطف ولم يجاور لكان: {سبع سنابل}، كما في هذه الآية، ولذلك إذا عرى عن المجاور جاء على مفاعل في الأكثر، والأَوْلى، وإن كان يجمع بالألف والتاء، مثال ذلك قوله تعالى: {سبع طرائق} و{سبع ليال} ولم يقل: طريقات، ولا: ليلات، وإن كان جائزًا في جمع طريقة وليلة، وقوله تعالى: {عشرة مساكين}، وإن كان جائزًا في جمعه أن يكون جمع سلامة.
فتقول: مسكينون ومسكينين، وقد آثروا ما لا يماثل مفاعل من جموع الكثرة على جمع التصحيح، وإن لم يكن هناك مجاور يقصد مشاكلته لقوله تعالى: {ثماني حجج} وإن كان جائزًا فيه أن يجمع بالألف والتاء، لأن مفرده حجة، فتقول: حجات، فعلى هذا الذي تقرر إذا كان للاسم جمعان: جمع تصحيح، وجمع تكسير، فجمع التكسير إما أن يكون للكثرة أو للقلة، فإن كان للكثرة، فإما أن يكون من باب مفاعل، أو من غير باب مفاعل، إن كان من باب مفاعل أوثر على جمع التصحيح، فتقول: جاءني ثلاثة أحامد، وثلاث زيانب، ويجوز التصحيح على قلة، فتقول: جاءني ثلاثة أحمدين، وثلاث زينبات، وإن لم يكن من باب مفاعل.
فإما أن يكثر فيه غير التصحيح، وغير جمع الكثرة، فلا يجوز التصحيح، ولا جمع الكثرة إلاَّ قليلًا، مثال، ذلك: جاءني ثلاثة زيود، وثلاث هنود، وعندي ثلاثة أفلس، ولا يجوز: ثلاثة زيدين، ولا: ثلاث هندات، ولا: ثلاثة فلوس، إلاَّ قليلًا.
وإن قل فيه غير التصحيح، وغير جمع الكثرة أوثر التصحيح وجمع الكسرة، مثال ذلك: ثلاث سعادات، وثلاثة شسوع، ويجوز على قلة: ثلاث سعائد، وثلاثة أشسع.
وتحصل من هذا الذي قررناه أن قوله: {سبع سنابل} جاء على ما تقرر في العربية من كونه جمعًا متناهيًا، وأن قوله: {سبع سنبلات} إنما جاز لأجل مشاكلة: {سبع بقرات} ومجاورته، فليس استعذار الزمخشري بصحيح.
و{في كل سنبلة} في موضع الصفة: لسنابل، فتكون في موضع جر، أو: لسبع، فيكون في موضع نصب، وترتفع على التقديرين: مائة، على الفاعل لأن الجار قد اعتمد بكونه صفة، وهو أحسن من أن يرتفع على الابتداء، و: في كل، خبره، والجملة صفة، لأن الوصف بالمفرد أولى من الوصف بالجملة، ولابد من تقدير محذوف، أي: في كل سنبلة منها، أي: من السنابل. اهـ.

.قال ابن القيم:

وأما خاصية السبع فإنها قد وقعت قدرا وشرعا فخلق الله عز وجل السماوات سبعا والأرضين سبعا والأيام سبعا والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار وشرع الله سبحانه لعباده الطواف سبعا والسعي بين الصفا والمروة سبعا ورمي الجمار سبعا سبعا وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى وقال صلى الله عليه وسلم: «مروهم بالصلاة لسبع»: وإذا صار للغلام سبع سنين خير بين أبويه في رواية وفي رواية أخرى: أبوه أحق به من أمه وفي ثالثة: أمه أحق به وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب وسخر الله الريح على قوم عاد سبع ليال ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف ومثل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا والسنين التي زرعوها دأبا سبعا وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفا فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه فإن العدد شفع ووتر والشفع: أول وثان والوتر: كذلك فهذه أربع مراتب: شفع أول وثان ووتر أول وثان ولا تجتمع هذه المراتب في أقل من سبعة وهي عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة أعني الشفع والوتر والأوائل والثواني ونغني بالوتر الأول الثلاثة وبالثاني الخمسة وبالشفع الأول الاثنين وبالثاني الأربعة وللأطباء اعتناء عظيم بالسبعة ولاسيما في البحارين وقد قال بقراط: كل شيء من هذا العالم فهو مقدر على سبعة أجزاء والنجوم سبعة والأيام سبعة وأسنان الناس سبعة أولها طفل إلى سبع ثم صبي إلى أربع عشرة ثم مراهق ثم شاب ثم كهل ثم شيخ ثم هرم إلى منتهى العمر والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقدره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره؟
ونفع هذا العدد من هذا التمر من هذا البلد من هذه البقعة بعينها من السم والسحر بحيث تمنع إصابته من الخواص التي لو قالها بقراط وجالينوس وغيرهما من الأطباء لتلقاها عنهم الأطباء بالقبول والإذعان والإنقياد مع أن القائل إنما معه الحدس والتخمين والظن فمن كلامه كله يقين وقطع وبرهان ووحي أولى أن تتلقى أقواله بالقبول والتسليم وترك الاعتراض وأدوية السموم تارة تكون بالكيفية وتارة تكون بالخاصية كخواص كثير من الأحجار والجواهر واليواقيت والله أعلم. اهـ.